المفارقة في
قصص مجدي شلبي" أصل و100 صورة نموذجا
بقلم الناقد
الدكتور/ أحمد الصغير المراغي
ينتمي المبدع المصري الكبير مجدي شلبي إلى
جيل الستينيات الذين كتبوا القصة القصيرة جدا في مصر بخاصة والوطن العربي بعامة،
وقد لاحظتُ في قصص المجموعة التي جاءت بعنوان أصل ومائة صورة مجموعة من الظواهر
الفنية المهمة التي اتكأ عليها الأديب مجدي شلبي ومن أهم هذه الظواهر الفنية تقنية
المفارقة الفنية ، حيث إنه يعتمد على البنية المكثفة في كتابة قصصه من خلال مجموعة
من الأسطر القصيرة أيضا ، هذه الأسطر التي يتشكل عنها نص قصصي درامي إبيجرامي ،
لأن النص الإبيجرامي هو نص قصير يعتمد على التناقض والحكمة والتكثيف والايجاز ولا
يخلو من المفارقة ، ونلاحظ ذلك في قصة بعنوان غيبة:
" لم
يمنعه صيام رمضان من أكل لحم أخيه ميتاً...
ثم عطر لسانه
بذكر الله
وخلل أسنانه
بالسواك
استعداداً
لالتهام
فريسة جديدة!."
تبدو صورة المفارقة جلية في النص القصصي
الفائت من خلال اتكاء القاص على اللعب بالمشاهد الفنية داخل القصة ففي المطلع تشير
الذات الساردة إلى أنه بالرغم من وجود شهر
رمضان الذي يمتنع فيه الناس عن الغيبة والنميمة، فإننا نجد بعض الأشخاص يأكلون
لحوم أخوتهم فيما بينهم، واستخدام التعبير القرآني هنا لايخلو من دلالة أيضا فيدل
على مدي العمق الثقافي الذي يمتح منه الكاتب مجدي شلبي ، فقد كانت لغة المجموعة
مركزة، تحمل دلالات فنية متعددة، مستخدمة التناص القرآني في مواضع كثيرة من القصص، ومن ثم فالمبدع مجدي شلبي يرسم صورتين متقابلتين متناقضتين، الأولى ترسم شخصية
لرجل يعيش في المجتمع ويصلي ويصوم وفي الوقت نفسه لا تمنعه صلاته وصيامه من اللغط
والكذب والغيبة والنميمة التي نهى عنها الدين الحنيف الذي يتمسح فيه هذا الرجل
أوذاك، الصورة الأخرى هي التي تحمل التناقض من خلال عندما يخلل أسنانه لالتهام
فريسة جديدة !! والأمر هنا لا يخلو من سخرية مريرة ومفارقة أليمة، فبدلا من يخلل
أسنانه للصلاة، يخلل اسنانه من أجل التهام أجساد الناس . وهنا تكمن الإشارة
الفنية الساخرة التي يحاول الكاتب مجدي شلبي أن يصل من خلالها إلى المتلقي، وهي
الحذر والحيطة من أشخاص يرتدون عباءة الدين ويتحدثون باسمه، وأفعالهم لا تدل على
ذلك، ويقول في قصة أخرى:
"دخل المسجد
صلى في خشوع
خرج
و كأن شيئاً لم يكن"
تعتمد القصة
الفائتة في بنيتها اللغوية على ثلاثة أفعال ماضية وفعل ناقص مضارع ( دخل ، صلى ،
خرج ، لم يكن ) ونلاحظ هنا تلك اللغة السردية التي تمتح من نفسها لنفسها ، وكأنها
تنسج حبات العالم في ثلاث جمل قصيرة، وكل جملة تحمل معنى بل مشهدا قائما بنفسه ،
بل تؤدي كل مفردة أيضا دورا لافتا في بنية قصص المجموعة ، لتحمل دلالة معينة ،
ويمكن لنا أن نخرج أيضا بمجموعة من الشفرات الثقافية والاجتماعية التي يرتكز عليها
الكاتب نفسه في بناء العمل ، لأن اللغة الفنية
هي بالأساس مجموعة من الشفرات التي تكون بين المبدع والمتلقي من خلال رسالة
معينة . ومن خلال القصة الفائتة تبز المفارقة الساخرة التي ترصد حركية الشخص الذي
يدخل المسجد للصلاة وبعد خروجه منها ، يرجع إلى كذبه وافترائه ، ومجونه ، وكأنه
يداهن الناس بصلاته حتى يقولون إنه يصلي أو مؤمن . وهذه الظاهرة التي يطرحها مجدي
شلبي في قصصه تبدو آفة عظيمة في المجتمعات ذات الصبغة الإسلامية . التي تهتم
بالشكل وتترك الجوهر الخفي. وعليه فإن الكاتب الأستاذ مجدي شلبي من المبدعين
القلائل الذي اعتمدوا في بناء قصصهم القصيرة جدا على المفارقات الثقافية
والاجتماعية من أجل تفجير قضايا مهمة كانت ومازالت تنخر في جسد المجتمع العربي
بعامة... فهنيئا لنا وهنيئا له على صدور هذه المجموعة ( أصل و 100 صورة ) كي يسعد
بها القراء في عالمنا العربي، بل تسهم في اتساع ساحة التفكير لديهم وتحثهم على
الرغبة في حلها...
د.أحمد الصغير